شهدت أسعار الذهب خلال الأيام الأخيرة ارتفاعًا قياسيًا، متجاوزة حاجز 3120 دولار أمريكي للأوقية، لتُسجّل بذلك أعلى مستوى تاريخي لها حتى الآن. هذا الصعود اللافت أعاد المعدن الأصفر إلى واجهة المشهد الاستثماري، باعتباره أحد أبرز الملاذات الآمنة في أوقات الأزمات وعدم اليقين.
فما الأسباب التي قادت إلى هذا الارتفاع؟ وما الضغوط المؤثرة في تحركات الذهب؟ وما هي السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة من منظور حيادي وموضوعي؟
أولًا: الأسباب الرئيسية وراء الارتفاع
الاضطرابات الجيوسياسية
تصاعد التوترات في عدد من بؤر النزاع حول العالم، خصوصًا في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، دفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول ذات المخاطر المرتفعة، واللجوء إلى الذهب بوصفه ملاذًا تقليديًا آمنًا
سياسات دونالد ترامب غير المتوقعة والمتقلبة
منذ عودته إلى المشهد السياسي، أثارت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا، وخلقت حالة من الغموض في الأسواق.
تصريحاته المتقلّبة، وقراراته المفاجئة في ما يخص التجارة الدولية والعلاقات مع الصين وأوروبا، ساهمت في تعميق عدم الاستقرار العالمي، ما عزز الطلب على الذهب كأداة تحوّط ضد المفاجآت السياسية والاقتصادية.
زيادة مشتريات البنوك المركزية
واصلت العديد من البنوك المركزية – وفي مقدمتها البنك المركزي الصيني – تعزيز احتياطاتها من الذهب، في خطوة تعبّر عن تراجع الثقة بالعملات الورقية، لا سيما الدولار الأمريكي، ودعم التوجّه نحو الأصول الحقيقية.
توقعات بخفض أسعار الفائدة
في ظل مؤشرات على تباطؤ النمو في الاقتصاد الأمريكي، يتوقّع كثير من المحللين أن يُقدِم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من عام 2025، الأمر الذي يُضعف جاذبية السندات ويزيد من جاذبية الذهب.
الضغوط التضخمية
رغم جهود البنوك المركزية للسيطرة على التضخم، لا تزال المعدلات في العديد من الاقتصادات الكبرى فوق المستويات المستهدفة، ما يدفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كوسيلة لحماية القوة الشرائية.
ثانيًا: العوامل الضاغطة على تحركات الذهب
قوة الدولار الأمريكي
كلما زادت قوة الدولار، تراجع الإقبال على الذهب المقوّم به، نظرًا للعلاقة العكسية التقليدية بين الطرفين.
تحسّن شهية المخاطرة
في حال عادت الثقة إلى الأسواق المالية، وارتفعت شهية المستثمرين تجاه الأسهم والأصول عالية العائد، قد يشهد الذهب تراجعًا نسبيًا في الطلب.
السياسة النقدية الأمريكية
التوجه المتشدد المحتمل من الاحتياطي الفيدرالي – في حال ظهرت بيانات اقتصادية قوية – قد يفرض ضغوطًا على الذهب، عبر رفع العوائد الحقيقية.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية المحتملة
السيناريو الإيجابي – بحسب Goldman Sachs
يرى بنك Goldman Sachs أن الذهب مرشّح لمواصلة ارتفاعه في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وتوسّع الطلب من البنوك المركزية. وقد رفع البنك توقعاته لسعر الذهب إلى 3300 دولار للأوقية بنهاية عام 2025، خاصة في حال خفض الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة.
السيناريو المتوازن – بحسب J.P. Morgan
يتوقّع بنك J.P. Morgan أن تشهد أسعار الذهب نوعًا من الاستقرار أو التصحيح المحدود، في حال تراجعت التوترات السياسية وظهرت بوادر لتعافي الاقتصاد العالمي. ويرجّح أن يتحرك الذهب ضمن نطاق يتراوح بين 2900 و3100 دولار للأوقية.
السيناريو السلبي – بحسب UBS
أما بنك UBS فيتبنّى سيناريو أكثر تحفظًا، مشيرًا إلى احتمال تراجع الذهب في حال تحسّن أداء الاقتصاد الأمريكي، وعودة السياسة النقدية المتشددة. وفي هذا السياق، قد ينخفض سعر الذهب إلى مستويات 2700–2800 دولار للأوقية.

خلاصة القول
الارتفاع القياسي في أسعار الذهب يعكس حالة القلق العالمية، وتزايد الحاجة إلى أدوات تحوّط مستقرة.
ورغم التوقعات الإيجابية، تبقى تحركات الذهب مرتبطة بعوامل معقّدة ومتغيرة، تشمل السياسة، الاقتصاد، والمزاج العام للأسواق.
وفي عالم سريع التقلب، من يملك استراتيجية واعية لإدارة أصوله، هو الأقدر على مواجهة المجهول بثبات.
بين التضخم والاستثمار: كيف يحمي المواطن العادي أمواله في عام 2025؟