fbpx
الأربعاء , أبريل 24 2024

يواصل الاقتصاد العالمي تراجعه يوما بعد آخر

يواصل الاقتصاد العالمي تراجعه يوما بعد آخر، ولم تنجح حتى الآن جميع الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي اتخذتها الدول الغنية والمؤسسات المالية الدولية الداعمة لها في وقف هذا التراجع أو الحد منه، أو حتى توقع نهاية معقولة له في ظل حالة الاضطراب السائدة

ومن هذه الإجراءات تخفيف السياسة النقدية، والقيام بتخفيضات ضريبية، وتقديم المساعدات والحوافز الاستثنائية للشركات والمؤسسات المتضررة مباشرة، ورغم ذلك فإنه ما تزال حالة الغموض هي السائدة؛ وهو ما دفع بـ”هورست كوهلر” مدير عام صندوق النقد الدولي إلى وصف توقعات وتقديرات النمو للاقتصاد العالمي التي تقدمها المؤسسات الدولية بأنها أشبه بـ”مطالعة الكف”.

وإذا كانت توقعات النمو قبل تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) تشير إلى ركود الاقتصاد الأمريكي وتأثر الاقتصاد العالمي بهذا الركود بدرجة معينة، فإن تلك التقديرات كانت تسير وفق منهجية محددة، وترتبط بشكل رئيسي بمؤشرات الأسواق وإنفاق المستهلكين، وكان بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي يعالج هذا التراجع من خلال خفض معدلات الفائدة؛ حيث قام منذ مطلع السنة الجارية بإجراء 10 تخفيضات وبواقع 4 نقاط، وذلك من 6% إلى نحو 2% فقط، وهو أدنى مستوى لسعر الفائدة منذ أيلول (سبتمبر) عام 1961.

لكن بعد الهجمات على نيويورك وواشنطن، ومن ثَم شن الحرب الأمريكية على أفغانستان واحتمالات توسيع هذه الحرب، مع ما رافقها من إجراءات عقابية ضد الكثير من الجماعات والمؤسسات المالية عبر العالم، فإن اتجاهات الاقتصاد العالمي في ظل الواقع الجديد تجعل من العسير رسم أي ملامح واضحة له، ولمدى الأضرار والخسائر التي ستلحق به في ظل الحرب المستمرة منذ نحو شهرين تقريبًا والتي يجهل الجميع حتى الآن أبعادها ونتائجها والمدة التي قد تستغرقها؛ حيث من المتوقع أن تطال التغيرات الاقتصادية جميع أوجه النشاط الاقتصادي العالمي، ولن تكون أي دولة -غنية أو فقيرة- بمنأى عن التأثيرات السلبية.

النمو في هبوط

على الرغم من أن تغيير تقديرات النمو الاقتصادي سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي أو لأي من اقتصاديات الدول الأخرى من الأمور المعتادة في عالم اليوم؛ نظرًا للتغيرات الاقتصادية التي تطرأ على عالم الاقتصاد المتشابك الآن بدرجة كبيرة، فإن الأحداث التي شهدها العالم منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي وما تبعها من ردود فعل جعلت من العسير على أي خبير أو حتى مؤسسة متخصصة -مهما كانت درجة كفاءتها- أن تقدم تقديرات صحيحة، أو أن تكون نسبة الخطأ في تقديراتها قليلة. فمنذ بداية العام الجاري بدأت المؤسسات الاقتصادية الدولية بتخفيض توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي عما حققه العام الماضي؛ حيث سجل في عام 2000 معدلاً مرتفعاً للنمو بلغ نحو 4.1 في المائة، وبناتج إجمالي زادت قيمته عن 35 مليار تريليون دولار؛ أي نحو (35000 مليار دولار).

وبعد أن أعلن أنه سيحقق عام 2001 نموًا أقل بقليل من النمو الذي حققه عام 2000، عدل هذا التقدير؛ فأعلن صندوق النقد الدولي في آذار (مارس) الماضي أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سيبلغ خلال السنة الجارية نحو 3.5%، وهو المعدل المتحقق عام 1999، ثم خفض هذا المعدل إلى نحو 3.2% مع استمرار تراجع الاقتصاد الأمريكي خلال النصف الأول من عام 2001. ومع قرب انتهاء الربع الثالث من السنة الجارية -وبالتحديد قبل هجمات 11 أيلول (سبتمبر)- خفض صندوق النقد الدولي معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى نحو 2.7%، ومع بدء ظهور تأثير الهجمات بعد ذلك التاريخ بدأ الحديث عن دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود، مع اختلاف في وجهات النظر حول المدة التي قد يستغرقها هذا الركود، خاصة بعد خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي في تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري إلى نحو 2.4%، حسب توقعات مدير صندوق النقد الدولي. ويرى معظم الاقتصاديين أن معدل النمو الاقتصادي العالمي الذي يقل عن 2.5% والذي سجله الاقتصاد العالمي عام 1998 هو مستوى يشير إلى ركود عالمي.

خسائر متوقعة

جاء في آخر تقرير للأمم المتحدة، والذي يرصد حجم الخسائر المترتبة على الاقتصاد العالمي جراء الهجمات، ليقدر الخسائر بأنها تزيد عن 350 مليار دولار، وخسائر الولايات المتحدة بما يزيد عن 100 مليار دولار، مع افتراض التقرير أن نسبة تراجع النمو في الاقتصاد العالمي 1% فقط.

لكن ومع أخذ آخر تقديرات النمو المتوقع للاقتصاد العالمي عام 2001 ومقارنتها مع النمو المسجل عام 2000 فإن معدل التراجع يقترب من 2% وبالتالي فإن حجم خسائر الاقتصاد العالمي سيتضاعف مع نهاية العام الجاري ليصل إلى نحو 700 مليار دولار، وهي أكبر خسائر يتعرض لها الاقتصاد العالمي في تاريخه.

وتختلف درجة تأثر الاقتصاديات من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى بدرجات متفاوتة؛ فقد جاء في التقرير نصف السنوي الذي أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم في عضويتها 30 دولة من أغنى دول العالم أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة كساد للمرة الأولى منذ 20 عاماً.

وقالت المنظمة في تقريرها: “إن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية أصابت الاقتصاد العالمي بصدمة شديدة، ومن المقرر أن ينكمش إنتاج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدرجة طفيفة في النصف الثاني من العام الجاري للمرة الأولى منذ 20 عامًا. ومن المتوقع أن يبلغ النمو في الولايات المتحدة 1.1% هذه السنة على أن يسجل في النصف الأول من السنة المقبلة معدل 1.2% يقابله انكماش في النصف الثاني بنسبة 0.6%”.

وفي منطقة اليورو توقع تقرير المنظمة نموًّا بنسبة 1.6% في السنة الجارية، يليه نمو بنسبة 1.4% في السنة القادمة، وفي اليابان توقع التقرير أن ينكمش اقتصاد اليابان بنسبة 0.7% السنة الجارية، وبنسبة 1% في السنة المقبلة. وفي دول شرق آسيا فإن معدل النمو في الناتج الحقيقي سيتراجع من 3.6% عام 2000 إلى نحو 0.7% عام 2001 حسب توقعات البنك الدولي، وتتفق هذه التوقعات الجديدة مع توقعات صندوق النقد الدولي الذي يتوقع بالنسبة للدول النامية أن يبلغ معدل النمو 4% سنة 2001 و4.4% في السنة المقبلة، ويتوقع بالنسبة لمنطقة “الشرق الأوسط” معدل نمو 1.7% خلال العام الجاري، و4% السنة المقبلة، لكن منظمة التعاون شددت على أن جميع هذه التوقعات غير مؤكدة في الوقت الحاضر.

أسباب التشاؤم

يعتقد العديد من الخبراء (المتشائمين) من مستقبل الاقتصاد العالمي أن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها منذ هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) – ستلعب دوراً رئيساً في إعادة خلط الأوراق، وتعقيد الأمور بالنسبة للاقتصاد العالمي، وليس من المعروف حتى الآن مدى فاعليتها.. لكن انعكاساتها السلبية ستظهر خلال العام القادم على أبعد تقدير، وستترك بصماتها المؤثرة على أركان النظام الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق وتحرير الأسواق والسرية المصرفية وتدفق الاستثمارات وتزايد حجم التجارة العالمية.

وفي نفس الوقت لن تكون ذات جدوى في مكافحة ما تسميه الولايات المتحدة بالإرهاب العالمي؛ فبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالية “إف بي آي” الذي انكبَّ على دراسة ومتابعة الحسابات المالية للمتهمين الـ”19″ فإن عمليات 11 أيلول (سبتمبر) لم تتكلف أكثر من 200 ألف دولار، وفي العام 1993 بلغت كلفة مهاجمة مركز التجارة العالمي نحو 20 ألف دولار فقط.

من هنا، فإن ما تقوم به الولايات المتحدة من مصادرة وحجز وتجميد ومطاردة لرؤوس الأموال الخاصة أو التابعة لمؤسسات وشركات معروفة، علاوة على وضع العديد من العرب والمسلمين وأموالهم في موضع الشبه، سيترك انعكاسات كبيرة على العلاقات الاقتصادية الدولية؛ إذ ستدمر هذه الإجراءات جميع المكاسب التي حققها الاقتصاد الرأسمالي، وتعيد تشكيله وبناء علاقاته وفق أسس مختلفة.

كما أن إشاعة حالة من الخوف والذعر وعدم الاستقرار عبر التهديد بالحرب، وأنها ستطال 60 دولة في العالم سيكون لها انعكاسات سلبية على مستقبل الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية الدولية والتعاون الدولي، وستزيد من حالة الركود الحالية، وهو ما أكده رئيس بنك الاستثمار الأوروبي “فيليب مايشتاد”، معتبرًا أن حالة القلق وعدم الوضوح القائمة حاليًا إحدى أهم العوامل المؤثرة في حالة التباطؤ التي يمر بها الاقتصاد العالمي.

تدمير السرية المصرفية

لعل من أكبر دواعي التشاؤم في سلسلة الإجراءات المتخذَة لمنع “تمويل الإرهاب” هي تخلي النظام المصرفي الدولي عن ما يسمى بالسرية المصرفية؛ بحيث أصبح للمحققين كامل الحرية في اختراق أسرار البنوك والعملاء على حد سواء وتعريض أموالهم ومدخراتهم لخطر الحجز والمصادرة، ويرى الخبراء أنه سيكون لهذا الإجراء انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي لأن هذا الإجراء سيفقد الدول الغربية الكثير من رؤوس الأموال التي تغذي نظامه المصرفي وتحركه وهو ما بدأ بالفعل حيث سحب عدد من المستثمرين والمودعين نحو مليار دولار من أرصدتهم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر).

ويقدر مصرفيون حجم الثروات الخليجية الفردية المستثمرة في الخارج فقط بنحو 1.2 تريليون دولار موزعة على النحو التالي: 700 مليار السعودية، 266 مليار دولار الإمارات العربية المتحدة، 163 مليار دولار الكويت، بقية مجلس التعاون 65 مليار دولار، فماذا لو سُحبت هذه الأموال، بالإضافة إلى مليارات الدولارات التي يملكها عرب ومسلمون من مختلف أنحاء العالم؟

أما فيما يخص شبكات الاقتصاد القذرة والقصة المشروخة لغسيل الأموال التي تقوم بها شبكات المافيا العالمية، والتي يجري الحديث عنها فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تعرف أساطينها والأساليب التي يستخدمونها، لكنها لا تجرؤ على اتخاذ أي إجراءات فعالة لمحاربة هؤلاء، رغم الدور التدميري الذي يقومون به.

تراجع التجارة العالمية

ومما يشير إلى المخاطر المحدقة بالاقتصاد العالمي تراجع حجم التجارة العالمية التي تُعتبر من أهم محفزات النمو الاقتصادي، كما يؤكد تقرير للبنك الدولي صدر مؤخراً، وتوضح البيانات أن متوسط الزيادة السنوية في حجم التجارة العالمية بلغ 6.2% في الفترة من 1990 – 1999، وفي عام 2000 سجلت التجارة العالمية نموًّا قياسيًّا بلغ 12.5%، وبإجمالي قدره 6.2 تريليونات دولار (6200 مليار دولار).

لكن آخر تقرير لمنظمة التجارة العالمية الذي جاء تحت عنوان: “إحصاءات التجارة العالمية عام 2001” أكد أن نموَّ التجارة العالمية خلال العام الجاري لن يتجاوز 1%، وهو أدنى مستوى له منذ السبعينيات، ويتوقع تقرير البنك الدولي أن

يتعرض الاقتصاد العالمي للمزيد من المخاطر في المستقبل نتيجة هبوط معدلات التجارة إلى أدنى مستوى لها حتى الآن.

أصابت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الاقتصاد العالمي، الذي كان يعاني من ركود مقبول بهزة عنيفة لم يُشهد لها مثيل من قبل، ملحقة به خسائر جسيمة ومحطمة في نفس الوقت الكثير من القواعد والأسس التي كانت تُعتبر من الثوابت التي لا تمس، وبانتظار وضوح الرؤيا فإن قدرة العالم على إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية بين الدول ستكون موضع اختبار حاسم وعليها يتوقف طول فترة الركود التي سيعاني منها الاقتصاد العالمي…

 

شاهد أيضاً

بيع الشركات

نصائح اذا اردت ان تبيع مشروعك او شركتك

اذا اردت ان تبيع مشروعك او شركتك يجب ان تجعلها ناجحه الخطوات التاليه استرشاديه لنجاح …

اداره مخاطر الائتمان,السيولة,السوق,أسعار الفائدة,العملات,رأس المال

اداره مخاطر الائتمان,السيولة,السوق,أسعار الفائدة,العملات,رأس المال

سياسات إدارة المخاطر: تتعرض الشركة للمخاطر التالية جراء استخدامها للأدوات المالية. مخاطر الائتمان مخاطر السيولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *